مواجهة نشاطات إيران العدوانية طبعت سياسة دول الخليج لنحو أربعة عقود، ولا تزال هي المحرك الأساسي لرسم سياساتها وتحالفاتها. والخطوة الاستباقية التي أقدمت عليها الإمارات والبحرين، بإقامة علاقات شاملة مع إسرائيل، مهدت للتعامل مع المتغيرات المقبلة، بما فيها الرئاسة الأميركية الجديدة. هناك تقاطعات خليجية – إسرائيلية وهناك مناطق خلافية. فالعدو المشترك للخليجيين والإسرائيليين اليوم هو نظام طهران الذي يتبنى صراحة مشروع تهديد أمن ووجود جميع هذه الدول وبنى برنامجه العسكري على هذا الخيار.
باعتلاء جو بايدن الرئاسة نستطيع أن نقول إن هذا التغيير ضد تقدم إيران على الأرض وتهديد هذه الدول الحليفة للولايات المتحدة.
بايدن وضع إصبعه على الخطأين اللذين ارتكبهما فريق الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما فاوض إيران ووقع اتفاقه JCPOA؛ أولهما أن الالتزامات النووية الإيرانية في الاتفاق لا تمنعها من بناء منظومة باليستية، وهو خلل خطير، والفترة الزمنية التي لا يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم فيها، بقي فيها خمس سنوات فقط، قصيرة على نظام صبور لن يتغير، بل عازم ومصرّ على تملك سلاح نووي. والثاني أن الاتفاق أهمل وضع كوابح لخطر إيران على المنطقة بأسلحتها التقليدية وسعيها للتغيير والسيطرة في مناطق مثل لبنان وسوريا والعراق والخليج واليمن وأفغانستان وغيرها. لا أتخيل سلاماً مع إيران من دون تعديل الاتفاق، وبايدن تحدث وكرر موقفه هذا موجهاً كلامه للإيرانيين الذين كانوا خلال حملة الانتخابات يراقبون تصريحاته بتفاصيلها، بأنه لن يحيي الاتفاق النووي إلا بتعديله، وكان صريحاً في اشتراط ضمان أمن حلفائه.
بالنسبة لدول الخليج؛ من المؤكد أن سياسة بايدن هذه لو نفذها ستكون أفضل من سياسة الرئيس دونالد ترمب. إيران دولة كبيرة ومجاورة، والتعايش معها في إطار اتفاق سلام، له ضامن، أفضل للخليج من مواجهتها، الأمر الذي سينعكس على استقرار المنطقة في شرق العالم العربي كله. وسينعكس على اقتصاد المنطقة وازدهارها.
طهران برهنت على أنها ليست محل الثقة، حتى للفريق الأميركي الذي افترض حسن نيتها، بإذلالها للقوات البحرية الأميركية في آخر عهد أوباما، رغم أنه الرئيس الوحيد الذي منحها أعظم فرصة، لم يسبق لها مثيل منذ أخذ رهائن السفارة في طهران عام 1979. وما فعلته إيران في بغداد هدد مصالح أميركا أيضاً، التي تعد العراق حجراً أساسياً في استراتيجيتها بالمنطقة.
واقعان جديدان استحدثا في عهد ترمب سيستمران خلال إدارة بايدن، أولهما التكتل السياسي، السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ويمثل ثقلاً اقتصادياً وبشرياً، وبالطبع سياسياً. والثاني التوافق مع إسرائيل من خلال الإمارات في وجه إيران. ستحاول قطر من جديد تفكيك التحالف ولن تنجح. كما أن إيران وتركيا، رغم محاولاتهما العمل معاً ضد الرباعية، تواجهان صعوبات بحكم التنافس واختلاف التوقعات بين طهران وأنقرة، إلى جانب الوضع الاقتصادي السيئ الذي تمران به.
ديناميكية الصراع العنيفة اليوم بين الأقطاب، الرياض وطهران وأنقرة، قد تتراجع مع وصول بايدن إلى الرئاسة الأميركية، في حال لجم الطموحات التركية ومغامراتها المقلقة لدول المنطقة وأوروبا، فأنقرة حاولت فرض واقع جديد في شرق المتوسط وليبيا يسبق الانتخابات الأميركية وفشلت. كما أن طهران ستسعى لتهدئة التوترات مع واشطن وحلفائها تمهيداً لإنهاء العقوبات القاسية عليها وإلا فإنها قد تنهار من الداخل.
لذا، أشعر بالتفاؤل بشكل حذر، من مقدم بايدن من دون التهوين من التحديات التي قد تثيرها إدارته مستقبلاً، وهو موضوع مقالي المقبل.