“دخل في غيبوبة ويعاني التهاباً رئوياً حاداً”.. هل تتكتم الجزائر على حقيقة الوضعية الصحية لتبون؟
رغم محاولة قصر المرادية إصدار بيانات بشكل مستمر؛ لإطلاع الجزائريين على الوضعية الصحية لرئيسهم، والابتعاد عن التعتيم الذي كان يُنتهج في عهد سلفه عبدالعزيز بوتفليقة.
ويُثير التعاطي الإعلامي مع مرض الرئيس تبون جدلاً واسعاً وسط الجزائريين، حول حقيقة إصابته بفيروس كورونا من عدمها، والتساؤل عن طبيعة المرض الذي يعانيه الرئيس، ما أعاد إلى الأذهان سيناريو الوضع الصحي للرئيس السابق بوتفليقة.
سيناريو مُتكرر
يتخوف الجزائريون من تكرار سيناريو مرض الرئيس، الذي عايشوه خلال فترة حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي غادر الحكم إثر حراك شعبي بعد عجزه الجسدي عن مزاولة مهامه، وذلك بتطبيق المادة الـ102 من الدستور الجزائري .
وما زاد من شكوك الجزائريين حول تفاقم مرض الرئيس هو غيابه عن حدث مهم وظرف حساس تمر به البلاد وهو الاستفتاء على تعديل الدستور، الذي وعد به تبون خلال حملته الانتخابية، ولطالما اعتبره حجر أساس في بناء “الجزائر الجديدة”.
أيضاً، لم يتمكن عبدالمجيد تبون من تدشين أكبر صرح إسلامي في إفريقيا وثالث أكبر مسجد بالعالم بعد الحرمين الشريفين، وهو جامع الجزائر، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعدما عبَّر أكثر من مرة عن إصراره على افتتاح المسجد بشكل شخصي.
ولا يزال عموم الجزائريين يتذكرون بمرارةٍ تعامل قصر المرادية مع مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حين كانت تصدر بيانات تطمين باستقرار حالته الصحية، على الرغم من عجزه التام عن ممارسة مهامه الدستورية منذ سنة 2012.
عجز بوتفليقة كان قد تسبب في سيطرة “القوى غير الدستورية” على دواليب السلطة وخلق أزمة ثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، نجم عنها حراك شعبي في 22 فبراير/شباط 2019، خلَّص البلاد من حكم “الرئيس العاجز”، بعد التفاف الجيش على مطالب الجزائريين بتنحية بوتفليقة من الحكم وسجن رموز نظامه كـ”سعيد بوتفليقة” شقيق الرئيس والجنرالين مدين وطرطاق.
بيانات مقتضبة
منذ دخول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الحجر الصحي، أصدرت رئاسة الجمهورية سبعة بيانات حول صحته وذلك منذ يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتميزت جُلّ هذه البيانات بالإيجاز والغموض، وخلت من ذكر طبيعة المرض الذي ألمَّ برئيس الجمهورية، إلا بعد نقله لألمانيا من أجل العلاج وبعد مرور 10 أيام كاملة.
وخلق هذا التوجس في الاتصال من الرئاسة، حالة من الشك لدى كثير من الجزائريين بعد التسريبات التي أشارت إلى إصابة تبون بفيروس كورونا المستجد وتحفُّظ الرئاسة على ذكر ذلك.
شكُّ الجزائريين جاء بعدما أعلنت الرئاسة في بداية الأمر دخول تبون حجراً صحياً طوعياً لمدة خمسة أيام، بناء على نصيحة الأطباء، بعدما أصيب عدد من الإطارات السامية في قصر المرادية بفيروس كورونا، لِيليه بيان ثانٍ من الرئيس شخصياً، قال فيه: “أطمئنكم- أخواتي وإخواني- أنني بخير وعافية، وأنني أواصل عملي”، بعدها أُصدر بيان ثالث بعد ساعات فقط من الثاني، يعلن نقله إلى المستشفى العسكري في الجزائر العاصمة؛ لمواصلة العلاج وإجراء فحوص طبية، وبعدها بيوم واحد، أعلنت الرئاسة نقله إلى ألمانيا؛ من أجل إجراء فحوص طبية معمَّقة.
حاولت رئاسة الجمهورية طمأنة الرأي العام بشأن الحالة الصحية للرئيس، بأنه باشر تلقِّي العلاج المناسب، وأنَّ وضعه الصحي مستقر ولا يدعو إلى القلق، بعد يوم واحد من سفره إلى ألمانيا لإجراء فحوص طبية، إلا أن ذلك زاد من الغموض والضبابية.
ويتساءل كثير من الجزائريين: لماذا كل هذا التكتم على الوضع الصحي للرئيس؟ ولماذا يتم التعامل مع ملف مرض الرئيس بهذه الطريقة؟ إذ أُعلنَ في البداية خضوع رئيس الجمهورية لخمسة أيام فقط في الحجر الصحي الطوعي، ثُم إخفاء إصابته بفيروس كورونا إلى غاية نقله إلى ألمانيا، وهل الإصابة بالفيروس تستوجب نقله إلى مستشفى أوروبي في أحد أكبر المستشفيات بألمانيا؟ في وقت كان يتغنى فيه الرئيس نفسه بأن الجزائر تملك أحسن منظومة صحية في المغرب العربي وإفريقيا.
حقيقة مرض الرئيس
يتساءل متابعون لقضية مرض الرئيس عن نوعية الفحوص المعمقة التي تعجز مستشفيات البلاد عن إجرائها، عقب إعلان الرئاسة أن تبون نُقل إلى ألمانيا من أجل إجرائها، ولم يعرفوا شيئاً عن السبب الذي استدعى هذه الفحوص، إلى أن تم الإعلان من قِبل مصالح الرئاسة أن الرئيس تبون مصاب بكوفيد-19.
وما زاد من ضبابية المرض هو استعمال البيانات الرئاسية عباراتٍ مثل “حالته الصحية في تحسُّن إيجابي” وأن هناك “تجاوباً لمرضه مع العلاج”، لأن عبارات من هذا القبيل لا تبعث على الاطمئنان أبداً، ومن حق المواطن أن يتساءل عن سبب اللجوء إلى الخارج لإجراء فحوص طبية تقوم بها مستشفياتنا بصورة عادية في ما يخص كوفيد-19.
تقول مصادر خاصة لـ”عربي بوست”، إن الرئيس تبون تعرَّض لالتهابات رئوية حادة من جراء إصابته بفيروس كورونا، نجم عنها تدهور كلي في حالته الصحية ودخوله العناية المركزة بالمستشفى العسكري في عين النعجة بضواحي العاصمة، ليدخل في غيبوبة تامة استدعت اللجوء لأكبر المستشفيات بألمانيا وإخضاعه لعلاج صارم ومتابعة صحية دقيقة.
وتضيف المصادر ذاتها، أن فيروس كورونا سبَّب مضاعفات وتعقيدات كبيرة للرئيس، لكونه كبيراً في السن ويعاني مرضاً مزمناً جعله يعاني صعوبة في التنفس وضعفاً على مستوى جهاز المناعة، خاصةً أنَّ تبون كان يدخن بشراهة، ما جعله يتأثر بشكل كبير بإصابته بفيروس كورونا، وعقَّد وضعه الصحي الذي استدعى العناية المركزة.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الجزائر تمتلك إمكانات لا بأس بها على العموم في القطاع الصحي، لكن على مستوى الإنعاش ليست متطورة بالشكل الذي توجد عليه الدول المتطورة، وهو ما حتم على الطاقم الطبي الجزائري الذي كان يتابع وضعه الصحي، ضرورة نقله لألمانيا، من أجل إنقاذ حياته.
زوجة الرئيس ترتدي الأسود
ظهرت السيدة الأولى في الجزائر، زوجة الرئيس عبدالمجيد تبون، لأول مرة، خلال تصويتها في الاستفتاء على التعديلات الدستورية نيابة عن زوجها بموجب توكيل رسمي.
وأثار أول ظهور للسيدة الأولى للجزائر جدلاً وتفاعلاً كبيرَين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي علَّق عليه ناشطون بأن “زوجة تبون تعتبر الأولى التي شاهدها وعرفها الشعب الجزائري، هل هي بوادر الجزائر الجديدة؟”.
وظهرت زوجة الرئيس بعد أيام قليلة من نقله لألمانيا، بلباس أسود؛ الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن اختيار السيدة الأولى في البلاد للون يرمز إلى “الحزن”، في أول ظهور رسمي لها، وهل الأمر له علاقة بالوضع الصحي لزوجها.
السيناريوهات المحتملة
يرى متابعون للوضع الصحي “المبهم” للرئيس الجزائري واستمرار غيابه عن منصبه وعدم اتضاح حالته الصحية، أن المجلس الدستوري مُجبَر على التدخل لإعطاء تفسيره والقرارات الواجب اتخاذها، في حال حدوث تدهور خطير بصحة رئيس الدولة.
وينص الدستور الجزائري فعلياً على ضرورة أخذ رأي المجلس الدستوري فيما يتعلق بالسلوك الواجب اتخاذه في حالة عدم قدرة رئيس الجمهورية على ممارسة مهامه لأسباب صحية، ومن اللازم أن تتخذ هذه المؤسسة قراراً بناءً على شهادة طبية صادرة عن أستاذ طب محلَّف.
وتحتكم الشهادة الطبية التي ستقدَّم للمجلس الدستوري إلى سيناريوهين محتملين: الأول يتعلق بشهادة تثبت أن فيروس كورونا الذي أصيب به عبدالمجيد تبون، لا يعرِّض حياته للخطر، وفي هذه الحالة يمكنه استئناف مهامه بعد فترة رعاية صحية لا تتجاوز 45 يوماً، تكون خلالها الحياة السياسية قادرة على الاستمرار في مسارها الطبيعي حتى لو لم يظهر الرئيس طوال فترة نقاهته.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بوصول فيروس كورونا إلى وظائف الرئيس الحيوية بقوة لدرجة أنه لم يعد قادراً، في رأي الأطباء المحلفين، على أداء مهامه كرئيس للدولة، وفي هذه الحالة، يعلن المجلس الدستوري رسمياً حالة العجز، وسيحدد في الوقت نفسه طبيعة الإجراءات الدستورية التي سيتم تطبيقها.
وهنا سيحتكم المجلس الدستوري إلى المادة الـ102 من الدستور، التي تسمح بإدارة الدولة لمدة لا تتجاوز 90 يوماً من طرف رئيس مؤقت، يكون مسؤولاً عن تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وهو السيناريو نفسه الذي عاشته الجزائر مع رئيس مجلس الأمة السابق عبدالقادر بن صالح، الذي نجح في قيادة البلاد إلى بر الأمان بعد تنحية بوتفليقة وتنظيم انتخابات 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، التي فاز بها عبدالمجيد تبون.
ولكن هنا، الرئيس الحالي لمجلس الأمة كبير في السن (93 عاماً)، علاوة على ذلك، لا يتوفر على صفة الرئيس باعتباره نائباً للرئيس ومكلَّفاً تسيير المجلس فقط بعد ذهاب عبدالقادر بن صالح الرئيس الفعلي للمجلس، حيث تصبح المادة الـ102 في هذه الحالة غير قابلة للتطبيق، ويتطلب الدستور وجود رئيس فعلي لمجلس الأمة.
وقد يكون الحل الآخر هو سليمان شنين، رئيس المجلس الشعبي الوطني، لكن انتماءه الإسلامي لحزب البناء الوطني قد يعيق أيضاً تعيينه على رئاسة الدولة، فمن غير المعقول أن يقبل الجيش، الذي يحكم الجزائر بشكل خفي، بهذا البديل.