في خضم الازمة التي تعيشها الولايات المتحدة الاميركية لناحية عدم اعتراف الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن، والعمل على التعاون معه لتحقيق انتقال سلس للسلطة، تستمر الادارة الاميركية في اطلاق المواقف التي تصبّ في خانة تعزيز مكانة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو داخل اسرائيل. وبعد دفع البحرين والامارات الى توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع اسرائيل، اطل وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو بقرار جديد من تل ابيب مفاده ادراج حملة “مقاطعة اسرائيل” في خانة معاداة السامية.
قد يمرّ هذا الخبر بالنسبة الى البعض مرور الكرام، ولكنه فعلياً يحمل الكثير من الدلالات على اكثر من صعيد. الدلالة الاولى بطبيعة الحال انه يؤمّن لنتانياهو دعماً اضافياً داخل اسرائيل، ويستميل في محاولة “مستميتة” اللوبي الاسرائيلي واليهودي داخل اميركا، مع العلم ان نتانياهو نفسه كان هنّأ بايدن بالفوز، في حين ان بومبيو انتقد من قام بمثل هذه الخطوة من قادة وزعماء العالم. وقد تكون هذه الخطوة برمزيتها، “نداء استغاثة” جديد من ترامب وادارته للّوبي المذكور. اما الدلالة الثانية فهي اقتصاديّة لأنّ من شأنهاإعادة فتح الاسواق امام البضائع الاسرائيلية (حتى المنتجات الواردة من المستوطنات) دون قيود او شروط، وتعزيز العائدات الاسرائيلية وهو ما ينعكس حتماً بشكل ايجابي على وضع رئيس الوزراء الحالي الذي ينعم بثبات “الستاتيكو” السياسي بعد ان كان على حافة الهاوية والتهديد بالخروج من الحياة العامة بطريقة مذلّة. هذا الحساب الاضافي في رصيد نتانياهو قد يعتبر بمثابة دفعة له للتمسك بترامب ودعمه في مسيرته الرافضة لقبول نتائج الانتخابات وتسليم السلطة.
والدلالة الثالثة التي يحملها هذا الموقف، هو الامعان في قتل القضيّة الفلسطينيّة، ومنع الحفاظ على ما تبقى من الاراضي العائدة للفلسطينيين والتي لم تستوطن بعد، واستغلال مواردها، في اشارة واضحة الى تشجيع سياسة الاستيطان مجدداً بعد أن أوهمت واشنطن الجميع وفي مقدمهم الشعوب العربيّة، أن التطبيع مع اسرائيل سيضع حداً لهذه السياسة وسيشجّع المسؤولين الاسرائيليين على فتح ابواب الحوار والمنطق، ووقف هذا التدبير، فإذا به يعود أقوى من قبل وباعتراف اميركي واضح.
وفي ما خص الدلالة الرابعة، فهي تعمّق الهوّة بين الادارة الاميركيّة الحاليّة واوروبا، خصوصاً مع وجود جماعات اوروبيّة كثيرة تدعو الى مقاطعة “المنتجات الاسرائيليّة” كونها صادرة عن موارد لا يحقّ لهم استعمالها، ومن خلال اغتصاب ارض بالقوة، ومعارضة قرارات الامم المتحدة والاتّحاد الاوروبي، والمواقف الرافضة لسياسة الاستيطان التي تنتقدها القارة العجوز. وهذا يعني عملياً سحب كل علاقة لاوروبا بمسألة الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وتخفيف نفوذها في هذا المجال الى الحد الادنى، والانتقال من موقع الشراكة في المسؤوليات والنفوذ الى موقع المتلقي والمتفرج الذي لاحول له ولا قوة.
صحيح ان اميركا لم تضع مشجعي مقاطعة اسرائيل على لائحة الارهاب، لكنها وضعتهم على لائحة موازية لها، وهي معاداة السامية التي تضعهم في مرتبة “المنبوذين” و”المتعصبين” على الصعيد الدولي، وكأنهم ارتكبوا جرماً عظيماً ليس من السهل التخلص من آثاره وتداعياته. وليس من المستبعد ان تؤدي هذه الخطوة الى حث المزيد من الدول العربية للاسراع في تقديم “اوراق اعتمادها” الى اسرائيل لتطبيع العلاقات معها وركوب قطار “المرضى عنهم” اميركياً بغض النظر عن الدوافع الاخرى والوعود المغدقة عليهم (التي قد يتم الايفاء بها ام لا).
انها لحظة حزينة اضافية بالنسبة الى القضية الفلسطينية، وإسفين جديد يتم وضعه في جسم التضامن والوحدة العربية التي باتت منتهية بشكل غير رسمي ولا ينقصها الا الاعلان عنها للجميع.