مع كلِّ طلعةِ شارع يفتّشُ السياسيون عن موطىءِ قدَمٍ موصولٍ برأسٍ مدبّر .. تندسُّ السلطةُ بأحزابٍ وتيارات .. يُنقّبُ العابرون الى الدولةِ عن فقراءِ المدُن ..تكتبُ الأجهزةُ تقاريرَها ..وتَضُخُّ المؤسسةُ الأمنيةُ قواريرَها وقنابلَ غازِها .. لكنّ ما يَعلقُ في اَذهانِ الناس هو صوتُ الناس .
ما مِن مثلِ أوجاعِهم حيثُ الشارعُ وحدَه يسمعُها وتلك الصّرَخاتُ غيرُ مرخّصٍ لها لكنّها تُظهرُ حجمَ رُخصِ الزعماءِ والأداء الرسميّ وتعليبَ كلِّ تحرّكٍ وإعطاءَه اللَّبوسَ السياسيّ حالُ طرابلس واحدةٌ من تلك الحالاتِ المتنازعِ عليها ..حيث الجوعُ والعوَزُ يُنافسانِ الإغلاقَ العامّ ليدخلَ متنافسونَ سياسيون جُددٌ.. ومِن قُدامى المحاربينَ على الساحةِ الطرابلسيةِ ومتفرّعاتِها في المناطق
ولليومِ الثالثِ ظلّت طرابلسُ عروسَ الخَرقِ الذي احتدمَ وتطوّرَ إلى مواجهاتٍ مسائيةٍ فيما تضامنت مدنٌ وشوارعُ أخرى لم تكُن مدرجةً في لوائحِ التحرّكِ من صيدا الى البقاع . ولمّا استشعر زعيمُ تيارِ المستقبل سعد الحريري بأنّ وراءَ هذا الغضبِ نيرانًا صديقةً وعَلاقةَ أُخوّةٍ غرّد مناشداً أهلَ طرابلس منهبًّا على استغلالِ أوضاعِهم المعيشيةِ قائلاً قد تكونُ وراءَ التحرّكاتِ في طرابلس جِهاتٌ تريدُ توجيهَ رسائلَ سياسية وقد يكونُ هناكَ مَن يَستغلُّ وجعَ الناسِ والضائقةَ المعيشيةَ التي يعانيها الفقراءُ وذوو الدخلِ الحدود.
وبنداءِ الحريري وغليانِ طبَقةٍ مُطبَقٍ على أنفاسِها يسحبُ الشارعُ الكلمةَ الفصلَ الى سيادتِه والتي لن يعلوَ عليها وستفرِضُ نفسَها على الحكومةِ المتصرّفة وتلك المكلّفةِ والرئاسةِ الاولى ودساتيرِها ومعاييرِ باسيل وكلِّ متفرِّعاتِ الأزْمةِ السياسيةِ ومعطّليها.
فالتأليفُ صار فعلاً على نارٍ حامية .. لكنّها نارُ الشارعِ هذه المرة فهل تخرُجُ التشكيلةُ الحكومةُ مِن فمِ الناس؟
وما أَودى بالأزْمةِ إلى هنا .. الأداءُ السياسيُّ وحربُ النِكايات ..وفرضُ المعادلات ..وهذا في مقابلِ ذاك ..وزعيمٌ يُلغي آخر .
وبتصرّفاتِهم تلك .. ربما قدّموا خدمةً كبيرةً إلى الشارع .. وبرعايةِ جائحةِ كورونا في ظِلِّ غيابِ مستلزماتِ الطّبابِة ونقصِ الأسّرةِ في المستشفياتِ وفِقدانِ الدواءِ وهِجرةِ الاطباء. ومعَ التظاهرِ المتفاعل مِن مِنطقةٍ الى أخرى فإنّ الشارعَ سيَفرِضُ أيضاً نفسَه على المِنصاتِ الطِّبية وقد تلجأُ حكومةُ حسّان دياب إلى تطعيمِ المتظاهرينَ كأولويةٍ تَسبِقُ طواقمَ الأطباءِ والممرضين لكنّ دياب توجّه الى المتظاهرين على الأرض وأولئك الذين يستثمرونَ في هذا التظاهرِ معتبراً أنّ الحكومةَ لا تتشكّلُ ولا تَتعطّلُ بالدواليبِ المشتعلةِ وقَطعِ الطرقاتِ والاعتداءِ على مؤسساتِ الدولة واستهدافِ قُوى الأمنِ الداخليِّ والجيشِ اللبنانيّ وتطابقت أقوالُ دياب وكلامَ وزيرةِ الدفاعِ زينة عكر لناحيةِ فصلِ العِداءِ للجيشِ عن حقوقِ المتظاهرين وقالت عكر إنّ الجيشَ اللبنانيَّ والقُوى الأمنيةَ حريصونَ كلَّ الحِرصِ على حمايةِ المتظاهرين، وحقِّهم في التعبيرِ السِّلميِّ وحقِّ تنقّلِ المواطنين، لكنّها دانت تعرّضَ واحدٍ وثلاثينَ عسكرياً منَ الجيشِ لإصاباتٍ من جراءِ الاعتداءِ عليهم ورشقِهم بالحجارةِ والمفرقعاتِ النارية، من قبلِ بعضِ المحتجين في أثناءِ التظاهراتِ التي شهِدتها مدينةُ طرابلس بالأمس، إضافةً إلى تَضرّرِ عددٍ من الآلياتِ والعَتاد.
لكنّ التظاهراتِ بدا أنها تتجاوزُ كلَّ هذهِ الاعتباراتِ لتستعيدَ الثورةُ زِمامَ المبادرة
فمعظمُ ما يجري الإدلاءُ به على لسانِ المحتجين لا يعرفُ لغةَ السياسيين وحساباتِهم .. ويَنطِقُ بألمٍ ووجعٍ ومرضٍ معيشي .. تخطّى الآلامَ كورونا .
وأفادت وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية باشتداد حدة المواجهات في طرابلس في ساحة النور (ساحة عبد الحميد كرامي).
ودارت اشتباكات الخميس بين المحتجين وقوى الأمن في محيط المبنى الحكومي المعروف باسم “سرايا طرابلس”.
وتمركزت عناصر أمنية على سطح السرايا وطوابقها العليا، وألقت قنابل مسيلة للدموع لتفريق المحتجين وإبعادهم عن أسوار ومداخل المبنى.
بينما رمى محتجون الحجارة في اتجاه القوى الأمنية، وسط محاولات لاختراق إحدى البوابات الخارجية لمبنى السرايا، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية.
وفي وقت سابق الخميس، تجمع متظاهرون أمام منازل عدد من نواب البرلمان، وأشعلوا النيران في عدد من صناديق النفايات.
ومساء الأربعاء، دخل قوات من الجيش اللبناني إلى ساحة النور، قبل أن تنشب مواجهات جديدة.
وحسب آخر تحديث للصليب الأحمر اللبناني، كان هناك ٣٥ جريحاً نقلوا إلى المستشفيات و٦٧ مصاباً تم إسعافهم في نطاق الاشتباكات الليلة الماضية.
ورافق الاحتجاجات في طرابلس أخرى مماثلة في الجنوب والبقاع والعاصمة بيروت.
ودخل لبنان إغلاق ثالثاً منذ منتصف الشهر الجاري، بسبب تفشي إصابات كورونا وعدم توافر أسرَة في المستشفيات. ومدَدت الحكومة العمل بالإجراء حتى الثامن من فبراير/شباط المقبل، بدلا من 24 يناير/كانون الثاني.
وحتى يوم الأربعاء، بلغ إجمالي عدد إصابات فيروس كورونا المسجلة في لبنان 285 ألفا و908 حالات، فيما وصل عدد الوفيات الناجمة عن الوباء إلى 2553.
وفي وقت سابق، قال رضا الصيادي، رئيس إحدى أكبر الجمعيات الخيرية في طرابلس، لشبكة CNN إن “الحاجة الماسة هي ما يحرك هذه المدينة، وهذا المرض، الكورونا الذي أصابها”.